لماذا : (( لا يمسه إلا المطهرون )) ؟!
يوم 21/5/2005م عقدت الجزيرة حواراً مفتوحاً حول تدنيس القرآن الكريم في
جوانتنامو اشترك فيه الدكتور عبد الوهاب المسيري وآخرون ، وقد عرّف الون
من العلمانيين معنى المقدس وغير المقدس وتوصلوا إلى أن المقدس الوحيد هو
الله
، وأما باقي المقدسات فهي نسبية ، وأي كتاب غير مقدس ، وانسحب ذلك على
القرآن ، وكان في الحوار أحد المشايخ في العراق ، وقد ساوى بين ما يفعله
البعض في العراق في المساجد والحوزات وحرقهم لنهج البلاغة ، ساوى بما فعله
الأمريكيون بالمصحف في جوانتنامو ،
وغاب عن الجميع أن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق ، وقد عانى الإمام
أحمد بن حنبل حتى لا يقول إن القرآن مخلوق ، وعذب عذاباً شديداً وأشفق
الناس عليه وقالوا له : قلها يا إمام ، كلمة تتخلص من السجن والعذاب ،
فقال لهم إيتوني بدليل من كتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ،
انظروا الناس ينتظرون ماذا سأقول؟!
وصمد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في هذه الفتنة ، وأنقذ العقيدة
الإسلامية . ما هذا الخلط الذي يساوي بين كتاب الله وباقي الكتب وقد قال
الله تعالى فيه : { إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ&فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ
&لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ &تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ
الْعَالَمِينَ } [الواقعة : 77ـ 80] .
قال الشيخ عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله في تيسير الكريم الرحمن في تفسر
كلام المنان ( في كتاب مكنون ) قال : أي مستور عن أعين الخلق ، وهذا
الكتاب المكنون ، وهو اللوح المحفوظ ، معظّم عند الله ، وعند ملائكته في
الملأ الأعلى .
وقال : ويحتمل أن المراد بالكتاب المكنون ، هو الكتاب الذي بأيدي الملائكة
الذين ينزلهم الله لوحيه ورسالته ، وأن المراد بذلك أنه مستور عن الشياطين
، لا قدرة لهم على تغييره ، ولا الزيادة والنقص منه واستراقه .
( لا يمسه إلا المطهرون ) أي لا يمس القرآن إلا الملائكة الكرام ، الذين
طهرهم الله تعالى من الآفات ، وإذا كان لا يمسه إلا المطهرون وإن أهل
الخبث والشياطين ، لا استطاعة لهم ، ولا يدان إلى مسه ، دلت الآية ـ
تنبيهاً على أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر ( أ . هـ )
ـ فلو أن الدكتور المسيري وغيره رجعوا إلى تفسير هذه الآية كما رجعو إلى
تفسير المقدس وغير المقدس عند العلمانيين لم ساوى بين القرآن الكريم وأي
كتاب آخر ، وأي منشأ آخر ، حتى المساجد ، والقياس الذي ساقه الشيخ العراقي
قياس فاسد ، وقد دل على عدم إنزاله القرآن المنزلة التي أنزلها الله إياها
، وطلب منا إنزاله هذه المنزلة ، وهذا الله أمر عجيب وغريب ومحير .
قال الشيخ محمد الطاهر بن عاشور رحمه الله في التحرير والتنوير في المقدمة الثامنة لتفسيره :
القرآن كلام الله الذي أوحاه تعالى كلاماً عربياً إلى محمد صلى الله عليه
وسلم . . . وجعله آية على صدق الرسول في دعواه الرسالة عن الله إلى الخلق
كافة بأن تحدى منكريه والمترددين فيه من العرب وهم المخاطبون به الأولون
أنهم لا يستطيعون معارضته ودعاهم إليها فلم يفعلوا .
فالقرآن كلام الله وهذا يفرقه عن كل كتاب آخر . وقال الدكتور وهبة الزحيلي
حفظه الله في التفسير المنير : القرآن : هو كلام الله المعجز ( الذي عجزت
الإنس والجن عن الإتيان بمثل أقصر سورة من سوره ، المنزل على النبي محمد
صلى الله عليه وسلم ، باللفظ العربي ، المكتوب في المصاحف ، المتعبد
بتلاوته ( فلا تصح الصلاة إلا بتلاوة شيء منه ) ، المنقول بالتواتر
المبدوء بسورة الفاتحة ، المختوم بسورة الناس .
وسمي قرآناً : لأنه التنزيل المتلو المقروء .
وسمي كتاباً : لأنه يجمع أنواعاً من القصص والآيات والأحكام والأخبار على نحو مخصوص .
وسمي مصحفاً : من أصحف أي جمع فيه الصحف .
وسمي نوراً ، لأنه يكشف الحقائق ، ويبين الغوامض من حلال وحرام وغيبيات لا
يستطيع العقل إدراكها ، ببيان قاطع وبرهان ساطع ، قال تعالى : { يَا
أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا } [النساء : 174] . وسمي فرقانا : لأنه فرّق
بين الحق والباطل والإيمان والكفر ، والخير والشر ، قال تعالى : {
تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ
لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان : 1] .
والدليل على أن القرآن كلام الله ، هو عجز الإنس والجن عن الأتيان بمثل
أقصر سورة منه ، وهذا هو المراد بإعجاز القرآن : أي عجز البشر عن الأتيان
بمثله في بلاغته ، أو تشريعه أو مغيباته .